الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (59- 62): {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)}اللام لام القسم، قال الطبري أقسم الله تعالى أنه أرسل نوحاً، وقالت فرقة من المفسرين: سمي نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه.قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، قال سيبويه: نوح ولوط وهود أسماء أعجمية إلا أنها حقيقة فلذلك صرفت، وهذه نذارة من نوح لقومه دعاهم إلى عبادة الله وحده ورفض آلهتهم المسماة وداً وسواعاً ويغوث ويعوق وغيرها مما لم يشتهر، وقرأ الكسائي وحده {غيرِه} بالرفع، وقرأ حمزة والكسائي {هل من خالق غير الله} خفضاً، وقرأ الباقون: {غيرُ الله} رفعاً والرفع في قراءة الجماعة هنا على البدل من قوله: {من إله} لأن موضع قوله: {من إله} رفع، وهو الذي رجح الفارسي، ويجوز أن يكون نعتاً على الموضع لأن التقرير ما لكم إله غيره، أو يقدر {غير} ب إلا فيعرب بإعراب ما يقع بعد {إلا}، وقرأ عيسى بن عمر {غيرَه} بنصب الراء على الاستثناء، قال أبو حاتم: وذلك ضعيف من أجل النفي المتقدم، وقوله: {عذاب} يحتمل أن يريد عذاب الدنيا ويحتمل أن يريد به عذاب الآخرة.و{الملأ} الجماعة الشريفة، قال الطبري: لا امرأة فيهم، وحكاه النقاش عن ثعلب في الملأ والرهط والنفر والقوم، وقيل هم مأخوذون من أنهم يملؤون النفس والعين، ويحتمل أن يكون من أنهم إذا تمالؤوا على أمر تم، وقال سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري عند قفول رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر إنما قتلنا عجائز صلعاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أولئك الملأ من قريش لو حضرت أفعالهم لاحتقرت فعلك» والملأ صفة غالبة وجمعه أملاء وليس من باب رهط وإن كانا اسمين للجمع لأن رهط لا واحد له من لفظه، وملأ يوجد من لفظه مالئ قال أحمد بن يحيى: المالئ الرجل الجليل الذي يملأ العين بجهرته فيجيء كعازب وخادم ورائح فإن أسماء جموعها عرب وخدم وروح، وإن كان اللفظة من تمالأ القوم على كذا فهي مفارقة باب رهط ومنه قول علي رضي الله عنه: ما قتلت عثمان ولا مالأت في دمه، وقال ابن عباس {الملؤ} بواو وكذلك هي في مصاحف الشام، وقولهم لنراك يحتمل أن يجعل من رؤية البصر، ويحتمل من رؤية القلب وهو الأظهر و{في ضلال} أي في إتلاف وجهالة بما نسلك.وقوله لهم جواباً عن هذا {ليس بي ضلالة} مبالغة في حسن الأدب والإعراض عن الجفاء منهم وتناول رفيق وسعة صدر حسبما يقتضيه خلق النبوة، وقوله: {ولكني رسول} تعرض لمن يريد النظر والبحث والتأمل في المعجزة.قال القاضي أبو محمد: ونقدر ولابد أن نوحاً عليه السلام وكل نبي مبعوث إلى الخلق كانت له معجزة تخرق العادة فمنهم من عرفنا بمعجزته ومنهم من لم نعرف.وقرأ السبعة سوى ابي عمرو {أبَلّغكم} بشد اللام وفتح الباء، بسكون الباء وتخفيف اللام، وقوله صلى الله عليه وسلم {وأعلم من الله ما لا تعلمون} وإن كان لفظاً عاماً في كل ما علمه فالمقصود منه هنا المعلومات المخوفات عليهم لاسيما وهم لم يسمعوا قط بأمة عذبت فاللفظ مضمن الوعيد..تفسير الآيات (63- 64): {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}هذه ألف استفهام دخلت على الواو العاطفة، والاستفهام هنا بمعنى التقرير والتوبيخ، وعجبهم الذي وقع إنما كان على جهة الاستبعاد والاستمحال، هذا هو الظاهر من قصتهم، وقوله: {على} قيل هي بمعنى مع، وقيل على حذف مضاف تقدره على لسان رجل منكم.قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون المجيء بنفسه في هذا الموضع يصل ب {على} إذ كل ما يأتي من الله تعالى فله حكم النزول فكأنه {جاءكم} معناه نزل فحسن معه أن يقال {على رجل} واللام في {لينذركم} لام كي. وقوله: {ولعلكم} ترجّ بحسب حال نوح ومعتقده لأن هذا الخبر إنما هو من تلقاء نوح عليه السلام.وقوله: {فكذبوه} الآية، أخبر الله عنهم أنهم بعد تلطفه بهم كذبوه فأنجاه الله والمؤمنين به في السفينة وهي الفلك، و{الفلك} لفظ واحد للجمع والمفرد، وليس على حد جنب ونحونه، لكن فلك للواحد كسر على فُلك للجميع فضمة الفاء في الواحد ليست هي في الجمع وفعل بناء تكسير مثل أسد وأسد، ويدل على ذلك قولهم في التثنية فلكان، وفي التفسير: أن الذين كانوا مع نوح في السفينة أربعون رجلاً، وقيل ثمانون، وقيل عشرة، فهم أولاده يافث وسام وحام، وفي كثر من كتب الحديث للترمذي وغيره: أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام، وقال الزهري في كتاب النقاش: وفي القرآن {ذرية من حملنا مع نوح} [الإسراء: 3].قال القاضي أبو محمد: فيحتمل أن يكون سائر العشرة أو الأربعين حسب الخلاف حفدة لنوح ومن ذريته فتجتمع الآية والحديث، ويحتمل أن من كان في السفينة غير بنيه لم ينسل، وقد روي ذلك، وإلا لكان بين الحديث والآية تعارض، وقوله: {كذبوا بآياتنا} يقتضي أن نوحاً عليه السلام كانت له آيات ومعجزات، وقوله: {عمين} وزنه فعلين وهو جمع عم وزنه فعل، ويريد عمى البصائر، وروي عن ابن عباس أن نوحاً بعث ابن أربعين سنة، قال ابن الكلبي: بعد آدم بثمانمائة سنة، وجاء بتحريم البنات والأخوات والأمهات والخالات والعمات، وقال وهب بن منبه بعث نوح وهو ابن أربعمائة سنة، وقيل بعث ابن ثلاثمائة سنة، وقيل ابن خمسين سنة، وروي أنه عمر بعد الغرق ستين سنة، وروي أن الطوفان كان سنة ألف وستمائة من عمره صلى الله عليه وسلم، وأتى في حديث الشفاعة وغيره: أن نوحاً أول نبي بعث إلى الناس، وأتى أيضاً أن إدريس قبل نوح ومن آبائه وذلك يجتمع بأن تكون بعثة نوح مشتهرة لإصلاح الناس وحملهم بالعذاب والإهلاك على الإيمان، فالمراد أنه أول نبي بعث على هذه الصفة..تفسير الآيات (65- 68): {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)}{عاد} اسم الحي، و{أخاهم} نصب ب {أرسلنا} [الأعراف: 59] فهو معطوف على نوح، وهذه أيضاً نذارة من هود عليه السلام لقومه، وتقدم الخلاف في قراءة {غيره} وقوله: {أفلا تتقون} استعطاف إلى التقى والإيمان.وقوله تعالى: {قال الملأ} الآية، تقدم القول في مثل هذه المقالة آنفاً، والسفاهة مصدر عبر به عن الحال المهلهلة الرقيقة التي لا ثبات لها ولا جودة، والسفه، في الثوب خفة نسجه، ومنه قول الشاعر: [الطويل] [ذي الرمة]وقولهم: {لنظنك} هو ظن على بابه لأنهم لم يكن عندهم إلا ظنون وتخرص.وتقدم الخلاف في قراءة {أبلغكم} وقوله: {آمين} يحتمل أن يريد: على الوحي والذكر النازل من قيل الله عز وجل، ويحتمل أن يريد: أنه أمين عليهم وعلى غيبهم وعلى إرادة الخير بهم، والعرب تقول: فلان لفلان ناصح الجيب أمين الغيب، ويحتمل أن يريد به أمين من الأمن أي جهتي ذات أمن من الكذب والغش. .تفسير الآيات (69- 70): {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)}قد تقدم القول في مثل {أو عجبتم} والذكر لفظ عام للمواعظ والأوامر والنواهي، وقوله تعالى: {اذكروا} الآية، تعديد للنعم عليهم، و{خلفاء} جمع خليف كظريف وظرفاء، وخليفة جمع خلائف، والعرب تقول خليفة وخليف، وأنشد أبو علي:قال السدي وابن إسحاق: والمعنى جعلكم سكان الأرض بعد قوم نوح، وقوله: {وزادكم في الخلق بصطة} أي في الخلقة، والبصطة الكمال في الطول والعرض، وقيل زادكم على أهل عصركم، قال الطبري: المعنى زادكم على قوم نوح وقاله قتادة.قال القاضي أبو محمد: واللفظ يقتضي أن الزيادة هي على جميع العالم، وهو الذي يقتضي ما يذكر عنهم، وروي أن طول الرجل منهم كان مائة ذراع وطول أقصرهم ستون ونحو هذا. والآلاء: جمع إلا على مثال معي، وأنشد الزجّاج: [للأعشى] وقيل واحد الآلاء ألا على مثال قفى وقيل واحدها إلى على مثال حسى وهي النعمة والمنة، و{تفلحون}: معناه تدركون البغية والآمال، قاله الطبري وعاد هؤلاء فيما حدث ابن إسحاق من ولد عاد بن إرم ابن عوص بن سام بن نوح، وكانت مساكنهم الشحر من أرض اليمن وما والى حضرموت إلى عمان، وقال السدي وكانوا بالأحقاف وهي الرمال، وكانت بلادهم أخصب بلاد فردها الله صحارى، وقال علي بن أبي طالب: إن قبر هود عليه السلام هنالك في كثيب أحمر يخالطه مدرة ذات أراك وسدر، وكانوا قد فشوا في جميع الأرض وملكوا كثيراً بقوتهم وعددهم وظلموا الناس، وكانوا ثلاث عشرة قبيلة، وكانوا أصحاب أوثان منها ما يسمى صداء ومنها صمودا ومنها الهنا فبعث الله إليهم هوداً من أفضلهم وأوسطهم نسباً فدعاهم إلى توحيد الله وإلى ترك الظلم.قال ابن إسحاق: لم يأمرهم فيما يذكر بغير ذلك فكذبوه وعتوا واستمر ذلك منهم إلى أن أراد الله إنفاذ أمره أمسك عنهم المطر ثلاث سنين، فشقوا بذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا أهمهم أمر فزعوا إلى المسجد الحرام بمكة فدعوا الله فيه تعظيماً له مؤمنهم وكافرهم، وأهل مكة يومئذ العماليق وسيدهم رجل يسمى معاوية بن بكر، فاجتمعت عاد على أن تجهز منهم وفداً إلى مكة يستسقون الله لهم، فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال وعثيل بن ضد بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفير، وكان هذا مؤمناً يكتم إيمانه وجلهمة بن الخبيري في سبعين رجلاً من قومهم، فلما قدموا مكة نزلواعلى معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجاً من الحرم فأنزلهم وأقاموا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتا معاوية، ولما رأى معاوية إقامتهم وقد بعثهم عاد للغوث أشفق على عاد وكان ابن أختهم كلهدة بن الخبير أخت جلهمة، وقال هلك أخوالي وشق عليه أن يأمر أضيافه بالانصراف عند فشكا ذلك إلى قينة فقالت له اصنع شعراً نغني به عسى أن ننبههم فقال: [الوافر] فغنت به الجرادتان فلما سمعه القوم قال بعضهم يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حل بهم فادخلوا هذا الحرم وادعوا لعل الله يغيثهم فخرجوا لذلك فقال لهم مرثد بن سعد إنكم والله ما تسقون بدعائكم، ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم به سقيتم، وأظهر إيمانه يؤمئذ فخالفه الوفد، وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر احبسا عنا مرثداً ولا يدخل معنا الحرم، فإنه قد اتبع هوداً ومضوا إلى مكة فاستسقى قيل بن عنز، وقال يا إلهنا إن كان هود صالحاً فاسقنا فإنّا قد هلكنا، فأنشأ الله سحائب ثلاثاً بيضاء وسوداء، ثم ناداه مناد من السحاب يا رماداً رمدداً لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً ولا ولداً، إلا جعلتهم همداً، وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث، فلما رأوها قالوا هذا عارض ممطرنا، حتى عرفت أنها ريح امرأة من عاد يقال لها مهد، فصاحت وصعقت فلما أفاقت قيل لها ما رأيت؟ قالت رأيت ريحاً كشهب النار أمامها رجال يقودونها، فسخرها الله عليهم ثمانية أيام حسوماً وسبع ليال، والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك، فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه من الريح إلا ما يلتذ به.قال القاضي أبو محمد: وهذا قصص وقع في تفسير مطولاً، وفيه اختلاف فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز وفي خبرهم أن الريح كانت تدمغهم بالحجارة وترفع الظعينة عليها المرأة، حتى تلقيها في البحر، وفي خبرهم أن اقوياءهم كان أحدهم يسد بنفسه مهب الريح حتى تغلبه فتلقيه في البحر، فيقوم آخر مكانه حتى هلك الجميع، وقال زيد بن أسلم: بلغني أن ضبعاً ربت أولادها في حجاج عين رجل منهم وفي خبرهم، أن الله بعث لما هلكت عاد طيراً وقيل أسداً فنقلت جيفهم حتى طرحتها في البحر، فذلك قوله: {فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم} [الأحقاف: 25] في بعض ما روي من شأنهم: أن الريح لم تبعث قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها تمت على الخزنة فغلبتهم فذلك قوله: {أهلكوا بريح صرصر عاتية} [الحاقة: 6] وروي أن هوداً لما هلكت عاد نزل بمن آمن معه إلى مكة فكانوا بها حتى ماتوا، فالله علم أي ذلك كان.وقوله تعالى: {قالوا أجئتنا} الآية، ظاهر قولهم وحده أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردوا العبادة لله مع إقرارهم بالإله الخالق المبدع، ويحتمل أن يكونوا منكرين لله ويكون قولهم لنعبد الله وحده أي على قولك يا هود، والتأويل الأول أظهر فيهم وفي عباد الأوثان كلهم، ولا يجحد ربوبية الله تعالى من الكفرة إلا من أفرطت غباوته كإربد بن ربيعة، وإلا من ادعاها لنفسه كفرعون ونمرود، وقوله: {فاتنا} تصميم على التكذيب واحتقار لأمر النبوءة واستعجال للعقوبة، وتمكن قولهم: {تعدنا} لما كان هذا الوعد مصرحاً به في الشر ولو كان ذكر الوعد مطلقاً لم يجئ إلا في خبر.
|